• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المواقع الاجتماعية.. مواقع للتواصل أم منصّة لطرح الأفكار؟

محمّد علي جواد تقي

المواقع الاجتماعية.. مواقع للتواصل أم منصّة لطرح الأفكار؟

◄لا نعتب على مواقع اتصال حديثة وسريعة ومجانية، مثل؛ «فيس بوك» وتطبيقات أُخرى للاتصال مثل؛ «واتس آب»، وغيرها عندما تتحوّل من نافذة للتعارف وتضييق المسافات بين الأحبّة والأصدقاء حول العالم ولتبادل الأخبار والمشاعر، إلى منصّة لطرح الأفكار والمعتقدات في شتّى الاتجاهات وبأساليب مختلفة، فهي حالها من حال وسائل الإعلام التقليدية في مراحل ظهورها وتطوّرها، ثمّ تحوّلها إلى منصّات لتحقيق أهداف عدّة، لاسيّما السياسية منها، مثل: تعبئة الجماهير، وقيادة الرأي العام، وغير ذلك.

وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يؤكِّد الأزمة الخانقة في وسائل «التواصل الثقافي» بين الشريحة المنتجة للفكر والثقافة وبين الجماهير، إذ تحتاج الأفكار والعقائد في عملية تسويقها إلى التوثيق بالمصادر والأدلة، وهذا ما كان متوفّراً للقارئ فيما مضى من العصر الذهبي للثقافة في سني الخمسينات والستينات والسبعينات، وهو ما لا يختلف عليه اثنان من المثقفين اليوم، وما يتذكرونه من مستوى الوعي الجماهيري، وكيف كان الكتاب والكراس، ثمّ المجلات والصُّحف مصدر غذاء فكري وثقافي لشريحة واسعة من المجتمع؟

إنّ سرعة النشر على مواقع الاتصال الحديثة لها مردود إيجابي على المدى القريب في إيصال الفكرة إلى المتلقي، وربّما يتحدّث البعض عن «السبق» في طرح الأفكار، على غرار السبق الصحفي أيّام زمان، عندما كانت مصادر الأخبار اليومية محدودة بالصحيفة والإذاعة فقط، مع الفارق، أنّ الأخبار في الأيّام الخوالي، كانت تمثّل حدثاً واحداً ضمن الحياة اليومية المستمرة، بينما الأفكار تمثّل نظرية ذات عمق وتأثير بعيد المدى على الإنسان والحياة بشكل عام.

ومن شأن هذا المنحى من النشر أن يسفر - في كثير من الأحيان - عن نتائج غير طيِّبة لصاحب الفكرة، وللمتلقي:

أوّلاً: ما يتعلّق بصاحب الفكرة، سواءً كان كاتباً أو متحدّثاً في مقاطع فيديو، فهو يندفع - ربّما من حيث لا يريد - إلى حيث التسطيح في وعي المتلقي عندما يطرح أفكاراً يعدّها مهمّة جدّاً لهم، ومفيدة لثقافتهم الحياتية وطريقة تفكيرهم، بل حتى عقيدتهم، ثمّ لا يجد الفرصة في تعضيد هذه الأفكار بالأدلة المقنعة والمصادر الموثوقة، وبدلاً من هذا نراه يلجأ إلى التقديس والأُمور الغيبية تارةً، وإلى العقلانية تارةً أُخرى.

ثانياً: أمّا ما يتعلّق بالمتلقي، فإنّ الاضطراب على مختلف الأصعدة يجعله مندفعاً نحو مختلف الأفكار والطروحات علّها تكون إحداها خشبة الخلاص لما يعيشه نفسياً وفكرياً واجتماعياً، وربّما عقائدياً.

إنّ استغلال الأوضاع غير الطبيعية في مجتمعاتنا لطرح ما يدّعيه البعض من بدائل على المدى القصير، لا تثمر دائماً عن صنع قناعات أو إيمان بقضايا مهما كانت كبيرة وذات شأن، بقدر ما تخلق نوعاً من السجال الفكري القائم على واقع التناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا بين النظرية والتطبيق، فمَن يتفاعل مع هذه الفكرة، إنّما كُرهاً بالفكرة الأُخرى، وليس كونها على حقّ، وهذا ما يجعل الناس في دوامة اليأس، وتكريس المزيد من مشاعر العبثية والهزيمة النفسية، ومن ثمّ اللامسؤولية في الحياة.

وحتى تأخذ الثقافة دورها الحضاري في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وبناءه فكرياً وروحياً، ثمّ مادّياً في هذه الحياة، يُستحسن منهجة المناقشة الفكرية والعقدية في مستويات عدّة، فما يحتاج إلى بحوث ودراسات يتولاها مختصون، ينبغي أن يكون مقالها في مقامها الصحيح، وفي مراكز الأبحاث والدراسات والحوزات العلمية، وبعد بلورة للرؤى والأفكار والخروج باستنتاجات رصينة، يكون بالإمكان تقديمها إلى المتلقي على مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الاتصال المختلفة وبأسرع ما يمكن لحاجة الناس إلى الفكرة السديدة في جانب محدَّد من حياتهم، وبما يفيدهم في التنمية والتطوير، لاسيّما في مجالات التربية والتعليم والعمل والتعامل مع قيم عليا مثل؛ الحرّية والعدالة والمساواة والسِّلم.

إنّ معظم الطروحات الموجودة ذات طابع نقدي لظواهر مثل؛ الاستبداد والعنف والفساد وغيرها من الظواهر السلبية ذات الحاجة الملحّة لمكافحتها وإبعاد شرورها من البناء الاجتماعي والثقافي للأُمّة، وهو ما يحتاج إلى حلول وبدائل تزيل الطابع السلبي من الواقع لا أن تنكئ بالجراح، أو تستبدل الاستبداد السياسي باستبداد فكري، والفساد المالي والإداري بحالة اللامسؤولية إزاء الأخطاء في أرجاء المجتمع بأسره بما يميع عملية إصلاحية كبرى مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.►

ارسال التعليق

Top